الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويمكن أن يكون مقصد الشريعة من تحريم الرّبا البعدَ بالمسلمين عن الكسل في استثمار المال، وإلجاؤهم إلى التشارك والتعاون في شؤون الدنيا، فيكون تحريم الرّبا، ولو كان قليلًا، مع تجويز الربح من التِّجارة والشركات، ولو كان كثيرًا تحقيقًا لهذا المقصد. ولقد قضى المسلمون قرونًا طويلة لم يروا أنفسهم فيها محتاجين إلى التعامل بالرّبا، ولم تكن ثروتهم أيّامئذ قاصرة عن ثروة بقية الأمم في العالم، أزمان كانت سيادة العالم بيدهم، أو أزمان كانوا مستقلّين بإدارة شؤونهم، فلمَّا صارت سيادة العالم بيد أمم غير إسلامية، وارتبط المسلمون بغيرهم في التِّجارة والمعاملة، وانتظمت سوق الثَّروة العالمية على قواعد القوانين الَّتي لا تتحاشى المراباة في المعاملات، ولا تعْرف أساليب مواساة المسلمين، دهش المسلمون، وهم اليوم يتساءلون، وتحريم الربا في الآية صريح، وليس لما حرّمه الله مبيح. ولا مخلص من هذا المضيق إلا أن تجعل الدول الإسلامية قوانين مالية تُبنى على أصول الشريعة في المصارف، والبيوع، وعقود المعاملات المركبة من رؤوس الأموال وعمل العمّال. وحوالات الديون ومقاصّتها وبيعها. وهذا يقضي بإعمال أنظار علماء الشريعة والتدارس بينهم في مجمع يحوي طائفة من كلّ فرقة كما أمر الله تعالى. وقد تقدّم ذكر الربا والبيوع الربوية عند تفسير قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس الآيات الخمس} من سورة [البقرة: 275]. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: .قال الفخر: .قال الألوسي: .قال ابن عاشور: عَدل من الله تعالى وحكمة لأنّ ترتّب الأشياء على أمثالها من أكبر مظاهر الحكمة، ومَن أشركوا بالله مخلوقاته، فقد استحقّوا الحرمان من رحماته، والمسلمون لا يرضَون بمشاركة الكافرين لأنّ الإسلام الحقّ يوجب كراهية ما ينشأ عن الكفر. وذاك تعريض واضح في الوعيد على أخذ الربا. ومقابل هذا التنفير الترغيب الآتي في قوله: {وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين} [آل عمران: 133]، والتَّقوى أعلى درجات الإيمان. وتعريف النار بهذه الصّلة يُشعر بأنه قد شاع بين المسلمين هذا الوصف للنَّار بما في القرآن من نحو قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]، وقوله: {وبرزت الجحيم للغاوين} [الشعراء: 91] الآية. .قال ابن عطية: .قال أبو حيان: ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز، وأمر بها مطلقًا لا مقيدًا بفعل الربا، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى، فلم يأت واتقوا الله في أكل الربا بل أمروا بالتقوى، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة. اهـ. .قال ابن عادل: وقال أبو البقاء: {أَضْعَافًا} مصدر في موضع الحال من {الرِّبا}، تقديره: مضاعفًا، وتقدم الكلام على {أَضْعَافًا} ومفرده في البقرة. وقرأ ابنُ كثير وابنُ عامر: {مضعَّفة}- مشددة العين، دون ألف. والباقون بالألف والتخفيف، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ للكافرين}: .قال القرطبي: وقيل: معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار؛ لأن من الذنوب ما يستوجب به صاحبه نزع الإيمان ويخاف عليه؛ من ذلك عقوق الوالدين. وقد جاء في ذلك أثر: أن رجلا كان عاقا لوالديه يقال له عَلْقَمَة؛ فقيل له عند الموت: قل لا إله إلا الله، فلم يقدر على ذلك حتى جاءته أمه فرضيت عنه. ومن ذلك قطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة. وذكر أبو بكر الورّاق عن أبي حنيفة أنه قال: أكثر ما ينزع الإيمان من العبد عند الموت. ثم قال أبو بكر: فنظرنا في الذنوب التي تنزع الإيمان فلم نجد شيئًا أسرع نزعا للإيمان من ظلم العباد. وفي هذه الآية دليل على أن النار مخلوقة ردًا على الجَهْمِية؛ لأن المعدوم لا يكون مُعَدًا. اهـ. .قال الألوسي: .قال ابن عاشور: عَدل من الله تعالى وحكمة لأنّ ترتّب الأشياء على أمثالها من أكبر مظاهر الحكمة، ومَن أشركوا بالله مخلوقاته، فقد استحقّوا الحرمان من رحماته، والمسلمون لا يرضَون بمشاركة الكافرين لأنّ الإسلام الحقّ يوجب كراهية ما ينشأ عن الكفر. وذاك تعريض واضح في الوعيد على أخذ الربا. ومقابل هذا التنفير الترغيب الآتي في قوله: {وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين} [آل عمران: 133]، والتَّقوى أعلى درجات الإيمان. وتعريف النار بهذه الصّلة يُشعر بأنه قد شاع بين المسلمين هذا الوصف للنَّار بما في القرآن من نحو قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]، وقوله: {وبرزت الجحيم للغاوين} [الشعراء: 91] الآية. اهـ. .قال الخازن: .قال الفخر: السؤال الأول: أن النار التي أعدت للكافرين تكون بقدر كفرهم وذلك أزيد مما يستحقه المسلم بفسقه، فكيف قال: {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ للكافرين}. والجواب: تقدير الآية: اتقوا أن تجحدوا تحريم الربا فتصيروا كافرين. السؤال الثاني: ظاهر قوله: {أُعِدَّتْ للكافرين} يقتضي أنها ما أعدت إلا للكافرين، وهذا يقتضي القطع بأن أحدا من المؤمنين لا يدخل النار وهو على خلاف سائر الآيات. والجواب من وجوه: الأول: أنه لا يبعد أن يكون في النار دركات أعد بعضها للكفار وبعضها للفساق فقوله: {النار التي أُعِدَّتْ للكافرين} إشارة إلى تلك الدركات المخصوصة التي أعدها الله للكافرين، وهذا لا يمنع ثبوت دركات أخرى في النار أعدها الله لغير الكافرين. الثاني: أن كون النار معدة للكافرين، لا يمنع دخول المؤمنين، فيها لأنه لما كان أكثر أهل النار هم الكفار فلأجل الغلبة لا يبعد أن يقال: انها معدة لهم، كما أن الرجل يقول: لدابة ركبها لحاجة من الحوائح، إنما أعددت هذه الدابة للقاء المشركين، فيكون صادقا في ذلك وان كان هو قد ركبها في تلك الساعة لغرض آخر فكذا هاهنا. الوجه الثالث: في الجواب: أن القرآن كالسورة الواحدة فهذه الآية دلت على أن النار معدة للكافرين وسائر الآيات دالة أيضا على أنها معدة لمن سرق وقتل وزنا وقذف، ومثاله قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8] وليس لجميع الكفار يقال ذلك، وأيضا قال تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون} [الشعرا: 94] إلى قوله: {إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ العالمين} [الشعرا: 98] وليس هذا صفة جميعهم ولكن لما كانت هذه الشرائط مذكورة في سائر السور، كانت كالمذكورة هاهنا، فكذا فيما ذكرناه والله أعلم. الوجه الرابع: أن قوله: {أُعِدَّتْ للكافرين} إثبات كونها معدة لهم ولا يدل على الحصر كما أن قوله في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] لا يدل على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين والحور العين. الوجه الخامس: أن المقصود من وصف النار بأنها أعدت للكافرين تعظيم الزجر، وذلك لأن المؤمنين الذين خوطبوا باتقاء المعاصي إذا علموا بأنهم متى فارقوا التقوى أدخلوا النار المعدة للكافرين، وقد تقرر في عقولهم عظم عقوبة الكفار، كان انزجارهم عن المعاصي أتم، وهذا بمنزلة أن يخوف الوالد ولده بأنك إن عصيتني أدخلتك دار السباع، ولا يدل ذلك على أن تلك الدار لا يدخلها غيرهم فكذا هاهنا. السؤال الثالث: هل تدل الآية على أن النار مخلوقة الآن أم لا؟ الجواب: نعم لأن قوله: {أُعِدَّتْ} إخبار عن الماضي فلابد أن يكون قد دخل ذلك الشيء في الوجود. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: قال عليه الرحمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}. حرَّم الربا على العِباد ومنه إقراض الواحد باثنين تستردهما، وسأل منك القرض الواحد بسبعمائة إلى ما لا نهاية له، والإشارة فيه أن الكرم لا يليق بالخَلْق وإنما هو صفة الحق سبحانه. {واتَّقُوا النَّارَ التي أُعِدَّتْ للكَافِرِينَ}: دليل الخطاب أنَّ المؤمن لا يُعذِّبُ بها، وإن عُذِّب بها مُدَّةٌ فلا يُخَلَّدُ فيها. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله والرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}: .قال الفخر: .قال أبو حيان: وقيل: في تحريم الربا، والرسول فيما بلغكم من التحريم. وقيل: وأطيعوا الله والرسول فيما يأمركم به وينهاكم عنه. فإن طاعة الرسول طاعة الله قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} وقال المهدوي: ذكر الرسول زيادة في التبيين والتأكيد والتعريف بأن طاعته طاعة الله. وقال ابن إسحاق: هذه الآية هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد، وانهزام من فرَّ، وزوال الرماة من مركزهم. وقيل: صيغتها الأمر ومعناها العتب على المؤمنين فيما جرى منهم من أكل الربا، والمخالفة يوم أحد. والرحمة من الله إرادة الخير لعبيده، أو ثوابهم على أعمالهم. اهـ. .قال أبو السعود:
|